1

كتاب علاج المثالية ( طلب الكمال )


علاج المثالية ( طلب الكمال )


في أحد القصص الشهيرة التي تكرر ذكرها في أكثر من كتاب قام أحد المعلمين في فن صناعة الخزف بتقسيم طلابه لمجموعتين:
المجموعة الأولي.. أخبرهم أنه سيقوم في نهاية الفصل بتقييم عملهم علي حسب الكم.. حيث من يحضر عدد أكبر من الأواني سيحصل علي درجة أعلي.
بينما المجموعة الثانية.. أخبرهم أنه سيقيمهم في نهاية الفصل علي حسب الجودة.. وكل المطلوب منهم هو إناء واحد فقط.. وعلي حسب جودته وروعته ستكون درجتهم.


الغريب أنه -فى نهاية الفصل- أجمل الأوانى التى تم تسليمها كانت من صنع المجموعة التي حوسبت علي أساس الكم وليس الجودة!


ماذا حدث؟


سنتحدث اليوم عن المثالية وطلب الكمال Perfectionism.. 
الرغبة في إنتاج أعمال بلا عيوب.


المثالية مشكلة كبيرة.. وأعتقد أن هناك عدد كبير من الناس مصاب بها, وإن كان بدرجات متفاوتة. وهي مشكلة قد يكون تأثيرها محدود بالنسبة للبعض.. بينما قد تحرم البعض الآخر من الإنجاز في الحياة.


التأثير السلبي للمثالية يظهر فى شكلين:


الشكل الأول: هو أنها تمنعك من بدء العمل أصلا..


فالبعض يرفع من سقف توقعاته للنتيجة التى يريدها بالشكل الذي يجعل تحقيقها شىء في منتهى الصعوبة. ويؤدى إلى تجنبه البدء في العمل أصلا تجنبا لهذه الصعوبة.
إذا تجنبت بدء العمل علي مشروع شخصى.. فقد تخسر إنجاز عمل نافع قد يضيف لك الكثير ماديا أو معنويا.. وإذا تجنبت بدء عمل أنت ملزم به.. فقد يتسبب لك هذا في مشكلة كبيرة لاحقا, وضغط عصبي ونفسى, وفي الغالب ستضطر للبدء وإنجاز ذلك العمل في وقت قصير قبل موعد تسليمه, وطبعا إنجازه بسرعة وتحت ضغط سينتج عنه جودة ضعيفة, كان من الممكن أن تحقق جودة أعلى منها لو كنت قد بدأت مبكرا. أى أن مثاليتك هنا كانت هى السبب في ضعف جودة العمل!


الشكل الثاني: هو أن تعيقك عن إكمال العمل الذى بدأته..


فقد تكون متحمس لعمل ما وتبدأ فيه بالفعل.. لكن بعد البدء فيه تواجهك بعض الصعوبات.. ويظهر لك أنه سيكون من الصعب عليك الوصول للنتيجة المثالية التي كنت تتوقعها عندما بدأت.. مما يصيبك بالإحباط ويجعلك تتوقف.
وكما قلنا في الشكل الأول.. لو كان العمل شخصي ستحرم نفسك من إنجازه والاستفادة منه.. ولو كان عمل أنت ملزم به ستضغط نفسك قبل موعد التسليم للانتهاء منه بجودة ضعيفة.
مشكلة إضافية أخري لعدم إكمال المشاريع التي تبدأها.. أنه مع تكرار ذلك ستفقد الثقة في نفسك وفي قدراتك.


بهذا نكون قد عرفنا المشكلة وأشكال تأثيرها السلبي علينا..


ما الحل والعلاج إذن؟!
هناك خمسة أفكار يمكن أن تساعدنا علي علاج مشكلة المثالية:


1- اسع لإحراز تقدم.. وليس الوصول للمثالية


في قصة أواني الخزف التي بدأنا بها.. المجموعة التى كانت ستقيم بالكم شغلت نسها بالعمل علي إنتاج عدد كبير من الأواني.. والعمل المستمر سمح لهم بالتعلم من أخطائهم وتحسين إنتاجهم مع كل إناء جديد يصنعوه.. وعلي نهاية الفصل كانوا قد اكتسبوا قدر كبير من الخبرة العملية التى مكنتهم من صناعة أواني بجودة عالية!
بينما المجموعة الثانية التى كانت ستقيم علي حسب الجودة.. لم تبدأ بالعمل مباشرة.. وإنما شغلت نفسها بالتفكير والبحث لفترة طويلة عن مواصفات الآنية الرائعة.. وشكل أفضل الأوانى في كتب الفنون والتاريخ.. والخامات والمهارات اللازمة لصناعتها.. وعندما بدأوا في العمل الفعلى لم يكن عندهم من الخبرة العملية ما يكفى لتنفيذ تصورهم المثالي عن الآنية الرائعة!


شركة Spacex التي حققت إنجاز غير مسبوق بإعادة استخدام صواريخ الفضاء.. كانت قد نشرت فيديو فيه عدد كبير من محاولاتهم الفاشلة لإعادة صاروخ بعد إطلاقه.. كل مرة كانت النتيجة أفضل من سابقتها بقدر بسيط, إليأن نجحوا في النهاية في الوصول للنتيجة التي كان البعض يظنها مستحيلة.. وحتي هذه النتيجة لم تكن مثالية.. وأول صاروخ هبط بنجاح كان غير قابل لإعادة الاستخدام.. لكنهم استمروا مع ذلك في التعلم والتطوير المستمر.. ومؤخرا نجحوا في إعادة استخدام الصاروخ ثلاث مرات في ستة أشهر!


استراتيجية المحاولة المستمرة والتعلم من الأخطاء, هي أفضل استراتيجية لتحقيق نتيجة رائعة مع الوقت.. من المهم البدء ببعض التفكير والبحث بالطبع. لكن بدون انتظار الوصول لكل المعلومات والحلول بالتفكير فقط قبل بدء العمل.. لابد أن تدرك أنه هناك أمور لن تتضح لك إلا بالعمل الفعلي.. لن تصل لكل الحلول بمجرد التفكير! الخبرة العملية مهمة لأنها هي التي ستمكنك من تحويل التصور الرائع الذي في ذهنك إلي شىء ملموس في الواقع. وتلك الخبرة العملية لن تحصل عليها إلا بالتجربة والتعلم من الأخطاء وتطوير نفسك بالتدريج وبإستمرار.. لذلك طالما كنت تحرز تقدم وتتحسن, فأنت علي الطريق الصحيح, ولا داعى لأن تحبط نفسك بدعوى عدم مثالية النتائج!


2- ابدأ بمسودة سيئة!


النصيحة او الفكرة الثانية تعتبر امتداد للفكرة الولي لكن علي مستوي العمل الواحد.. بمعني.. عندما تبدأ أى عمل لا تبدأ بالعمل علي المنتج النهائي مباشرة.. ابدأ بالعمل علي مسودة أو بروفة أو نموذج أولي للعمل وتوقع أن تكون تلك المسودة بمستوي سىء وبها أكبر قدر من الأخطاء.


إن كنت تقوم بعمل تصميم أو بكتابة مقال أو بتجربة وصفة أكل جديدة.. قم بعمل مسودة أو تجربة أولية سريعة.. الهدف منها اكتشاف الأخطاء والعقبات بسرعة.. وبالتالي تحسينها أو تلافيها أثناء عملك علي المنتج النهائى.


هذه فكرة المسودة هو أن تتجنب إحباط النتائج الأولية الذي يدفع البعض للتوقف وعدم إكمال العمل..
وكذلك إزالة حاجز صعوبة البداية الذي يمنع البعض من البدء أصلا. لأنه ليس من المطلوب منك أن تحقق نتائج رائعة في البداية.. كل المطلوب هو عمل مسودة أولية سريعة متوقع جدا أن تكون سيئة!


هذه النصيحة ستساعدك علي تجنب التسويف في البداية.. كما ستساعدك علي تحقيق افضل نتيجة ممكنة بالنسبة لمستوي قدراتك وإمكانياتك في الوقت الحالي.


3- ضع لنفسك مواعيد انتهاء


جون لاستير المدير الإبداعي لشركة بيكسار صاحبة مجموعة من أشهر وأفضل وأنجح أفلام الانيميشن.. له مقولة ظريفة ومهمة.. يقول فيها:


العمل علي أفلامنا لا ينتهي.. لكننا نعرضها علي أي حال!
Our films dont get finfshed, they just get released!


أي أنه سيكون هناك دائما مجال لتحسين الفيلم للأفضل.. لكن هذا قد يستغرق سنين دون انتهاء.. لذلك يقومون بإلزام أنفسهم بميعاد محدد لنشر الفيلم.. وينشرونه علي أي حال, حتى وإن رأوا أن الفيلم كان يمكن تحسينه وإخراجه بجودة أكبر.
فإذا كانت بيكسار التى لديها أمهر المحركين والفنانين في مجالهم لا تتمكن من الوصول للمثالية فى أفلامها, لماذا تفترض أنت أنك يمكنك الوصول لها في عملك؟!
حدد ميعاد انتهاء لكل مرحلة من مراحل العمل.. خصوصا مرحلة التفكير والبحث الأولية. وبعدها تبدأ في العمل علي المسودة أو النموذج الأولى مباشرة, وحدد موعد انتهاء لهذا أيضا. والأهم هو ان تحدد موعد انتهاء للمشروع أو العمل ككل, وبعدها تسلمه أو تنشره علي أي حال. والأخطاء التى ستحدث تعلم منها لتحقيق جودة أفضل في المشروع القادم.. واستمر علي ذلك.


4- افهم ظاهرة فجوة الإبداع


هناك فرق بين مستوي ذوقك أو حسك النقدي وبين مستوي مهاراتك. عادة ذوقك  حسك النقدي يكون في مستوي أعلي من مهاراتك, نتيجة متابعتك لأعمال المحترفين والناجحين في مجالك. هذا الفرق يسمى بفجوة الإبداع.. وهى ما يجعلك دائما غير راضى عن مستوى عملك. ميزة فجوة الإبداع أنها تدفعك دائما لتطوير نفسك.. وهذا شىء مطلوب.. لكنها إن كانت أكبر من اللازم ستدفعك للإحباط والانسحاب.


لذلك تقبل القليل م عدم الرضى عن عملك لأنه أمر طبيعى.


5- لا يحتاج العمل أن يكون مثاليا كي يكون نافعا


من المحزن جدا أن بعض الأشخاص القادرين علي عمل شىء نافع -حتى وإن كان غير مثالى- يعجزون عن إنتاج هذا الشىء بسبب مثاليتهم وبحثهم عن الكمال في العمل.
حقيقة الأمر هى أن بعض التفاصيل والعيوب البسيطة غالبا لا تؤثر علي مقدار المنفعة التى يحققها العمل, أو تأثيرها بسيط. وبالتأكيد لا تلغى فائدة العمل بشكل كامل.


رغيف الخبز حتي لو لم يكن مصنوع بأعلى جودة.. فلا يمنع هذا من أنه سيسد جوعك ويفيد جسمك ببعض القيمة الغذائية.


هذا الكتيب ليس مثالي, ربما يكون هناك أمثلة وحلول أفضل من التى طرحناها. الأسلوب والصياغة والتصميم كان من الممكن أن يكونا أفضل, لكن في النهاية هذا لا يمنع أن يكون هذا العمل.


فلا تحرم نفسك وتحرم غيرك من منفعة عملك بسبب وهم في خيالك لا يمكن إدراكه اسمه "عمل مثالي خالي من العيوب".
( الكمال لله وحده )

 

اسم الكتاب: علاج المثالية ( طلب الكمال )

اسم الكاتب: علي محمد علي

By Raghda Elhamly

كتاب علاج المثالية ( طلب الكمال )

علاج المثالية

علاج المثالية وطلب الكمال

لمزيد من المعلومات عن أعرف نفسك اضغط هنا

موضوعات ذات صلة:

كل ما يخص التنمية البشرية اضغط هنا

تنمية بشرية اضغط هنا

كل ما تريد معرفته عن التنمية البشرية

تطوير الذات اضغط هنا

طرق النجاح اضغط هنا

الطاقة اضغط هنا

العلاقة بالمحيط اضغط هنا

الدعم النفسي اضغط هنا

كلام في البيزنس اضغط هنا

Copy Right 2018